الجمعة، 28 مارس 2008

وادرك شهزاد الصباح


قالت: يحكى أيها الملك السعيد ان الاحاسيس قد تبدو مشتتة لكثرة دورانها في مسامات الروح.. لكنها بعد ان تستقر تمتزج حباتها الواحدة مع الاخرى لتنسج غلالة شبكية كبيت العنكبوت فتعذب دورة الكون في مسام انسان اذهلته سبل الدوران فتاه وسط ركام من الاسيجة المتناثرة تبعده الدوامة من ان يصل إلى أي اتجاه يريد وهنا تكمن العلة.. وحين نزعم اننا نعيش كما نشتهي فربما كان ذلك صحيحاً لكنها حياة مزججة باطر غير متجانسة، لذا نراها تارة موحشة مقفرة وأخرى مليئة حد الاختناق وفي كلا الحالين نسقط باحثين عن سبل لولوج النمط المستقيم.. فهل نزعم ونحن نحيا ركام أتربة الاضطرابات وفقدان الامن اننا مازلنا على قيد الحياة! قد نكون مقاومين لشتى سبل انعكاسات الالم الذي يحيط بنا، قد نكون نلون لحظات الاغتراب التي نمارسها من حين لآخر بألوان مستقبلية- من صنع خيالاتنا المستوحشة ولكن قبل ان تفيق الشمس من غفوتها نهرب لعلنا في الهروب نجد متسعاً من الوقت للتفكير.
زمن عقيم إلا من ولادات مشوهة غير قابلة للشفاء ترمينا أرصفته من بوابة إلى أخرى لعلنا نصل إلى نقطة النهاية غير اننا نكتشف بعد كل مرة اننا نعود إلى نقطة الانطلاق الاولى عند خط البداية وبعد مرور كل هذه السنوات التي عشناها سواء كنا في رحم الام ام متنقلين إلى رحم الارض نكتشف ان بريق تلك الشموع السوداء المتناثرة حولنا لم يكن الاوهم يغزو النفوس باسم العيش الكريم.. لكن العيش الكريم يا مولاي لا يتطلب كثرة الاموال أو القصور الفارهة والسفر والرحلات العيش الكريم هو الشعور بالامان والطمأنينة والاستمتاع بلحظات الليل الرومانسية الهادئة بعيداً عن صوت القذائف والانفجارات!
الحصول على رغيف اليوم دون استهانة بالنفس والاقلال من قيمتها، الاحساس بأقل القليل من القيمة الانسانية للفرد، العيش الكريم لا يمكن أن نحصل عليه مع غياب الهوية والارض والحقوق والانفلات الامني والارهاب المستمر.. كانت انسانيتنا مؤجلة واليوم هنالك من يحاول جاهداً لاغتيالها.
قال: كلانا نبحث عن مستقر وملاذ لكنني لا املك ان احقق لك هذا ولعلي آخر فرسان العصر غير اني لست بقادر على البقاء فوق جوادي بعد ان اصابني الوهن واعتلى صرح عمري عجز السنين.
قالت: قد استطيع بما احتويه من شوق في حنايا الروح ان اعترك ميدان فروسيتك واخطو بمساحات طويلة كي اختصر الزمان فأمسك بتلابيب درعك المحصن وانفخ في بقايا الروح عندك نيراناً تتقد كلما اجلت موعد الرحيل.
قال: يا فاتنة أرض النهرين كيف اخترقت مسافات روحي المعطلة ونفخت في جمراتها المختبئة لاصير شهرياراً اخراً يبدأ رحلة من الف ليلة وليلة.
وبعيداً عن ارضها وترابها تقرر شهرزاد ان ترافق شهريارها لتقص عليه حكايات جديدة عن زمن متهاو غير ابهة بتلك الزفرات التي تحرق حناياها فقط كي تصدق انها لم تمت بعد..
قالت: اه حبيبي لماذا تستفزني عيناك؟ لماذا يختنق قلبي وهو يصف رحلة الحب المتفرد في عطائه غريب الشكل والاوصاف.
لم تكن تدري ان حلم الامس كان رؤيا حقيقية حتى استفاقت على صوت مجنون قادم من عتمة هذا العصر ببصيص من نور ضئيل يشدها نحو البقاء.
قال: يا شهرزاد أمازلت تبحثين عن حكاية تقصينها على مدى الف ليلة وليلة أخرى.
اكتشف انها قصت كل ما كان في جعبتها من قصص ولم يبق الا ان تحدد مصيرها..
شهريار يقف منتظراً متفرجاً ثم يصرخ: مسرور اكمل ما بدأت..
تسقط رأس شهرزاد وهي تقول: يحكى أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد ان شهرزاد لم تقوَ على ايجاد سبيل اخر للبقاء بين احضانك سوى ان تعلن الصمت..
حمل شهريار رأس حبيبته وهي تردد: وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
سلام

ليست هناك تعليقات: