الخميس، 13 مارس 2008

أسيجة الشوك وضياع معنى الانتماء / مقال

يقال ان المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر.. لكن مصيبتنا كا نت صغيرة ثم اخذت تكبر.. عندما بدأت عمليات السلب والنهب والحرق في وطني .. حينها شعرت ان خلايا جسدي تفرقع ، وعظام يدي تسرق.. تشتت افكاري ، ولم استطع لملمتها.. وحالي هو حال الملايين من العراقيين.. مصيبتنا الاولى في الاحتلال ، ومصيبتنا الثانية فينا ، تشتتنا ، قتلنا ، سرقنا بعضنا البعض ..! هل كنا واعين أم مغيبين ؟ اين عقلاؤنا وكبارنا ؟
وطني جريح.. وطني يمزف .. وطني يتلوى من الالم.. بدني يقشعر ، ترتعش مشاعري تتلاطم هواجسي خوفا على عراقيتي ، على هويتي ، على انتمائي..
قبل خمسة اعوام من الان فاجأتني معلومة صغيرة ، بديهة، تعلن بدء الليلة الاولى للحرب ، وكأن ذاكرتي ترفض ان تقع خلف أسيجة الشوك التي تحبسني خلفها ، الاحتلال.. مع انها كمعلومة تصدمني كل صباح ومساء ، الفوضى المحيطة بي وبالوطن ، والنشيج الذي يزاحم غصاتي الملتاعة ، ينفجر الما في حلقي ، يتفجر قنابل على ارضي ، فيحيل ابناء بلدي الاحبة الى اشلاء.. اعود بالذاكرة الى ايام سبقت تلك الليلة المشؤومة ، واصغي الى المراحل الثلاثة التي تعودناها قبل الحرب واثناءها وما بعدها .. وفي كل مرة نعد العدة وننتظر دون ان نحدد ما الذي ننتظره حقا..
قبل 20/3/2003 كنا نعرف ان الحرب واقعة مع خيط شك ضئيل يقول : ربما .. وكنا نتساءل مع انفسنا ، فالاحاديث بصوت عال غير مأمونة خشية رحلة ما وراء الشمس : اتراه لا يرى ما نراه ؟ ولا يحلل ما نسمعه ..! ولا يفهم الصور الواضحة حقا ، ام ان هناك شيئا اخر لا نفهمه نحن ..!!
ولم تتعثر الاسئلة المتتالية مثلما فعلت اثناء الحرب .. نسينا صدام وقيادته واجهزته الامنية الضخمة ، ولم يبق غير العراق .. وحيث ضاعت خطواتنا بحثا عن مسيرة صحيحة تؤمن حمايته حقا ، سقطنا في شك طويل ابتدأ يوم 9/4/2003 .. فهل نفرح بزوال حكم اخذ منا كل شيء ، ولم يعطنا غير الدمار والموت والخراب والالم ؟ ام نصغي الى صوت حشرجة الغصة الدامية في القلب وهي ترى اندحار معنى المواطنة وضياع ذلك الخيط الصلب الذي ينسج معنى الانتماء ..!!!
ضاعت التسميات ، واختلط اسم العراق بتداعيات سقيمة ، فيما انتثرت صكوك الغفران ولكن بلا كنيسة حقيقية.. وصار العراق مادة دسمة للفضائيات والصحف والبحوث التي وجدت لها املا بعد كساد افغانستان ، وملل فلسطين ، مرورا ب كوسوفو والصرب ، والامثلة ذات الفصول المسرحية تنتظر دائما ممثلون جددا .. لم يعد لدينا الان الا ان نعيد الحب الى عقولنا ، وان نزاول عشق العراق وارضه وسمائه .. ان نفهم لماذا نشعر بالاغتراب بدونه ؟ ولماذا حين نغادره نصطحب الماضي فقط ، ونعيش الحاضر من خلاله .. لم يعد لدينا غير غد نأمل ان يأتي ، علنا نعرف اخيرا : ما الذي كنا ننتظره حقا..
فبالنسبة لي ما عادت بغداد، والشعراء ، والصور ، بل هي حجارة الم وفوضى ، وجمهرة بؤس ، واناس بلا مأوى ، وجموع ضيعت سبيلها ، فمتى نلتم يا وطني ؟ اراقب التلفاز طعنات الصواريخ ، وصيحات الالم من عاصمتي بغداد التي احالها الاحتلال حسب التصنيفات العالمية للعواصم : الى اسوأ مدينة على وجه الكرة الارضية ، ومع كل صاروخ أهتف ملء الروح : الله عليك يا بلدي .. يا حبي المبتدأ وفرحي الاثير .. وتلك عاصمتي ام البساتين ، هل يعقل ان تدوسها بساطيل الاجنبي وتدكها..! وذكرياتها التي كانت توحي لكل سكان الارض ، بالشعر ، والعزة ، والنخوة ..! ايليق بها ان تنوخ تحت الحراب ..!
لقد كان الربيع موجودا برغم انف الموت ، وان كنت في 9/4/2003 فهمت معنى المثل القائل " كنا كالمستجير من الرمضاء بالنار " حين سقطنا في مطب الذهول ، ورحنا نتفرج على بلد عمره الاف السنين ، وهو ينهار تماما في ثلاثة ايام ، فصار الالم ينهشني من الداخل وينهش يلادي من داخلي ايضا ، وصرت املك حسرة بحجم العراق .. ان الدم المسفوح ونشوة الدفء المهدورة لاجل العراق لن تذهب سدى..
وارى من بعيد هناك ، عراقا يسكنه احفادي ، وبه خيري وشمعي وذكرياتي، فعجلة التاريخ كانت دائما تقاد بيد من هم الافضل من كل ما حولي ..

سلام

ليست هناك تعليقات: